القمر : نايل سات - التردد : 11766 - الاستقطاب :  افقي

 

الخميس 2024/03/28 03:30:55

     
 

البرامج والمسلسلات الاخبار

   

البث المباشر

الشاعر صلاح نيازي:كانت ملحمة كلكامش بالنسبة لي الضالة المنشودة والسحر الذي لا يقاوم

 

ناس وحكومة

عدد الاعجابات : 68


شكد بجيبك

عدد الاعجابات : 44


نشرة الاخبار الرئيسية

عدد الاعجابات : 35


سينما شو

عدد الاعجابات : 29


المدى ستاديوم

عدد الاعجابات : 22


شي من كل شي

عدد الاعجابات : 19


ناس وحكومة

عدد التعليقات : 12


صباحك غير

عدد التعليقات : 7


أوكف دنلعب

عدد التعليقات : 5


صباح المتنبي

عدد التعليقات : 4


شكد بجيبك

عدد التعليقات : 4


كركري

عدد التعليقات : 3


ناس وحكومة

عدد الزيارات : 340738


صباحك غير

عدد الزيارات : 197883


تقارير المدى

عدد الزيارات : 86448


نشرة الاخبار الرئيسية

عدد الزيارات : 73786


أوكف دنلعب

عدد الزيارات : 73244


المدى ستاديوم

عدد الزيارات : 69886


الشاعر صلاح نيازي:كانت ملحمة كلكامش بالنسبة لي الضالة المنشودة والسحر الذي لا يقاوم

عدد التعليقات 0     عدد الزيارات 1436         2016-09-26 07:50:32

الشاعر والمترجم صلاح نيازي، ولد في الناصرية وأكمل دراسته الثانوية في بغداد ثم تخرج في دار المعلمين العالية وعمل معدّاً ومقدّماُ للبرامج الثقافية في الإذاعة والتلفزيون العراقي قبل ان يفصل من وظيفته قبل ثورة الرابع عشر من تموز ليعود بعدها حتى تم اعتقاله عام 1963 بعد انقلاب شباط ليغادر بعدها غادر العراق ليستقر في لندن.

عمل في الإعلام البريطاني وعرف اسمه شاعراً وإذاعياً عملَ في إذاعة لندن العربية مذيعاً ومعداً ومقدّم برامج حتى تقاعده، فضلا عن اهتمامه بنشر المطبوعة الأهم بالنسبة للمغتربين العرب حيث واصل أصدار مجلة (الاغتراب الأدبي) في لندن من عام 1985 وحتى عام 2002، بجهود شخصية وبمساندة زوجته الروائية العراقية سميرة المانع، وكانت هذه المجلة تعنى بأدب المغتربين بشكل خاص وما تزال بعض أعدادها موجودة على شبكة الإنترنت.

عام 1962 صدر ديوانه الأول: (كابوس في فضة الشمس) الذي مثل قصيدة واحدة طويلة في رثاء أخيه، حيث وصفت تلك القصيدة أو الديوان بأنها من الأعمال الشعرية الكبيرة إلى جانب قصيدة (المومس العمياء) لبدر شاكر السياب، لتصدر له بعدها عدة مجموعات شعرية منها (الهجرة إلى الداخل) 1977، و (نحن) 1979، و (المفكر)، و (الصهيل المعلب) 1988، و (وهم الأسماء) 1996، ثم (أربع قصائد) في لندن عام 2003، و (ابن زريق وما شابه) عام 2004.
إضافة الى  نتاجاته الأدبية الأخرى ، وخاصة في الترجمة حيث ترجم (يوليسيس) لجيمس جويس وبعضاً من اعمال شكسبير ورواية "العاصمة القديمة" لكاواباتا وغيرها. وترجمت بعض قصائده إلى الإنجليزية, والفرنسية, والإسبانية, والإيرانية, والألمانية.
حاصل على ليسانس في اللغة العربية وآدابها من جامعة بغداد , وعلى الدكتوراه من SOAS بجامعة لندن.
"المدى" أجرت معه هذا الحوار:
* صلاح نيازي شاعراً وباحثاً وناقداً ومترجماً، هل هي أقنعة متعددة للشخصية أم هي في نفس الوقت أقنعة للتخفي؟
- لنهوّنِ الأمرَ ونقول: اهتمامات متعددة نابعة من فضول ثقافي وتعطّش وتحرّق. وهذا من أخصر الكلام. ما من أديب معاصر، أو شبه معاصر، وقف نفسه على نوع genre بعينه، مثلاً: تي أسْ . أليوت: برع في الشعر والمسرح والنقد والمقالة والترجمة والفلسفة. مثلاً: جيمس جويس : برز في الرواية والقصة القصيرة والشعر والنقد والمقالة والموسيقى والغناء.
مثلاً : توفيق الحكيم: ذاع صيته بالرواية والمسرح وكتابة المذكرات، وهو إلى ذلك، ناقد له من ندور النظرات النقدية ما يمكن اعتباره من النقاد الفُوَقة.
الشعر العربي منذ القديم اكتفى بذاته واستعلى، لأنه كان مجمّعاً لشتى العلوم التأريخية والجغرافية والحكمة والفلسفة،...ولم يتفاعل مع فنون الأنواع الأخرى، حتى حينما سنحت له الفرصة بالتخصب في العصر العباسي ساعة شبّت الترجمة وترعرعتْ.
الشاعر العربي، قصر نفسه في الغالب على الشعر كتابة وقراءة وحفظاً.  الشعر مكتبته الثقافية. وسنامه  المعرفي : كذا الشعر ينجب الشعر، ومنه يرث جيناته وشياته. كما الزواج في عشير واحد. اهتزّت مفاهيم الشعر المنحدرة كابراً عن كابر، بعد الحرب العالمية الثانية، وفي أواخر الأربعينات من القرن الماضي وفد إلى العراق النثر بأنواعه، من قصة قصيرة، ورواية، وترجمة، ومسرح.
مجلة  الرواية  المصرية تخصصت بترجمة الرواية الأجنبية. دار اليقظة السورية تخصصت بترجمة الأدب الروسي.  مجلة الآداب اللبنانية وضعت أسس الأدب الوجودي فلسفة ورواية. عاصرتُ شعراء لم تكن من همومهم قراءة النثر، لدرجة أن أحدهم (احتفظ باسمه) كان يتفصد عرقاً  وهو يحاجج ان الرواية ليست أدباً. وهذا ليس وحيداً في ذلك الجيل.
أقول، والقول عام، إن ثورة 14 تموز كانت انتصاراً للنثر. انحسر الشعر بنوعيه التحريضي والمبشر بالعقم والضاج باللطم. في حين نضج النثر نضجاً يثير العجب. عبد الملك نوري وقصصه القصيرة المحكمة. غائب طعمة فرمان وبداياته الروائية. وبفضل هذه الثورة تسيّدت  المقالة لأول مرّة ، وإلى الآن تقريباً.
مثلاً حسين جميل وكامل الجادرجي في المقالة القانونية. إبراهيم كبة في المقالة الاقتصادية. عبد الجبار فهمي (أبو سعيد) والشاعر يوسف الصائغ في المقالة السياسية (نشر كتاباً متسلسلاً في صوت الأحرار باسم مستعار، وقد أُنيطت بي مهمة تحريره ولم أكن  أعرف  وقتها اسم الكاتب) .بعد ثورة تموز ترونق الأدب الشعبي بلبوس جديد.تصدره بالنثر شمران الياسري (أبو كاطع) وبالشعر مظفر النواب. بالجملة لم يظهرشعر مرموق أثناء عمر 14 تموز القصير. لم يمتْ ولكنْ تجاوزته المرحلة. الشعراء الذين اقتصرت ثقافتهم على الشعر فقط، ظلوا يراوحون.
* كنت مغتربا في وطنك بحسب ما يسميه باسترناك (الغربة الصعبة)، هل وجدت فضاءك الإبداعي في منفاك ومستقرك الذي اصبح لندن؟
- قد يكون الاغتراب بالنسبة إلى فئة ما، منفى، لا سيما إذا كانوا وحيدي اللغة، أو من ذوي المطامح السياسية الآنقلابية، أو ممن قذفت بهم الظروف المعيشية، فلا هم هنا ولا هم هناك كما يقال باللغة الإنكليزية.
يقول ابن رشد :" العلم في الغربة وطن"، هذا هو بيت القصيد.  ويعتبر برناردشو كل مكان يفيد فيه ويستفيد  منه  وطناً. بهذا المعنى أنا متفائل من أيّ اغتراب مهما كانت وطأته  قاسية في البداية. لو كانت لديّ الشجاعة لقلت لا بدّ لذي كل مهنة، لا سيما الأدباء، من اغتراب.
لماذا لا نوسّع لغة الوطن بلغة أخرى، ومعارف جديدة. عشرات الأدباء الإنكليز عاشوا في الخارج فنفعوا وانتفعوا. ما الضير أن نضيف شيكسبير إلى المتنبي، أو جون رسكن إلى التوحيدي، أو السير  لورنس أوليفييه إلى سامي عبد الحميد، أو ماريا كالاس إلى أسمهان أو أمّ كلثوم!
الفنون عموما مشاعات عالمية تتنافذ فيما بينها وتتناهل كالأواني المستطرقة، ولها أخلاق الغيوم في الحركة والتشكّل. لكنْ لا بدّ لنا من التمييز بين الغريب والمغترب.
المتنبي غريب لأنه كان في جغرافية جديدة ولغة هي غير لغة الضاد. "غريب الوجه واليد واللسان". الجواهري ببراغ كذلك. كان وحيد اللغة. البياتي و بلند الحيدري هما الآخران وحيدا اللغة مهما ادعيا ونشرا من ترجمة، ليست من صنعتهما البتة.
بينما المغترب مغامر من أجل البقاء. نبات منقول من بيئة إلى أخرى، لا بدّ له من كيميائيات جديدة وإلاّ آل إلى عيدان يابسة  تحطّب. لا بدّ له من تكيّف. وأوّل تكيّف هو اللغة الأجنبية لا بوصفها وسيلة للعيش، وإنما بوصفها وسيلة فكرية.
يبدأ الاغتراب الواقعي، حينما يختلف المرء مع مفردات بيئته، سياسية كانت، أمْ اقتصادية، أمْ معارفية
ولا أهمية للمكان في هذه الحالة. الاغتراب بهذا المعنى مشادّة لغوية لا هوادة فيها بينك وبين القاموس المتوارث، بينك وبين التعابير العضلية، والصيغ اليقينية ولام التوكيد والمفعول المطلق. من النافلة أنك حينما تشعر بحاجة إلى صياغة جديدة حتى في لغتك الأم، فأنت مغترب.
يقول روي هيرث، وهو من أكبر روائيي غيانا المغتربين ببريطانيا:"في السنوات التسع والثلاثين التي عشتها ببريطانيا، وهي أطول من المدّة التي عشتها بغيانا المحبوبة، لم أتوقف قطّ عن المقارنة بين التكيّف الشرطي في الثقافتين... ثمة شيء ينخر في روحي خارج الوطن طيلة هذه السنوات، شيء كاليرقة، ليست بذات شأن، إلاّ أنها، توقف كل نشاطي لو كنت بوطني عصيّة على الوصف،
... هذه اليرقة مع الحنين لتراب الوطن هما ما يدفعانني إلى الكتابة، ففي غيانا أجد نفسي متراخياً جدّاً، فلا أجد حافزاً لمسك القلم".
أما الجانب الآخر من السؤال:"هل وجدت فضاءك الإبداعي في منفاك ومستقرّك الذي أصبح لندن"، فالجواب لا يأتي عفو الخاطر بأيّ حال. أولاً كيف وجدتُ نفسي بلندن رغم ضيق ذات اليد. ما الظروف المسنونة التي اقتلعتني. كان العراق وقتها بكلمة واحدة مصيدة أينما حللتَ. الشارع مصيدة، الحافلة مصيدة، المقهى مصيدة، وبيتك مصيدة. اختناق كامل وما في التعبير مجاز. كان الرعب يجوس في الشوارع، والخوف يتربع على مخدتك. قُتِل النوم، قُتِل الرزق، قُتِل الأمل وما من أمان. تعب القلب من نبضه  الداوي السريع، تعبت العين من التلفت، تعبت الأذن من توقع صدور حكمٍ ما:
"كانت أمنيتي الوحيدة، لا الوصول إلى لندن، لا العيش فيها، ولكنْ الموت في مكانٍ آخر، الموت، بإرادتي : " أردت أن أُحِس "اللذة السوداء في الوفاة"... أردتُ أنْ أختار نوع موتي، كما اختار السهروردي موته. كان أشقّ عليّ أن يشفي قاتلي غليله، أن أموت تحت قدميه وآلات تعذيبه مهاناً مذَلاّ، أمنيتي أن أحرمه من إشباع حقده.
غمرتني النشوة ثانية، حينما تفتحت أمامي أوروبا خضراء شاسعة. إذنْ- قلت لنفسي – هذه أوروبا وكلها قبر لي، ومرّةً واحدة شعرت بلذة الانتصار، كمَنْ يخاف المشنقة فيتلذّذ بقرص للموت. الآن أستطيع أنْ أُقرّر مصيري في أية لحظة. أصبحت إرادة موتي بيدي، وهو حقّ لا أريد لأحد أن يفرضه عليّ بالتجويع والتعذيب والإذلال. قرّرت أنْ لا ألتفت إلى الوراء بعد اليوم. أحببتُ القطار لأنّه كان يخبّ
بقوة إلى الأمام. يدخل في الأنفاق الجبلية المظلمة ويخرج بقوة إلى الأمام. هديرك أيها القطار أجمل تهويدة أمّ في أذني اليوم".
* حتى في شعرك هناك هيمنة للسرد، لماذا لم يلجأ صلاح نيازي للرواية التي هي اقرب الى روح السرد، رغم تعدد اهتماماتك لكن الرواية والقصة كانت خارج عالمك؟
- السرد ، كما يبدو، من صفات حضارة الطين والقصب، منذ شاعرة كلكامش الأولى ومَلَكتها الشعرية المبهرة.  يتهادى فيها الشعر بجلال، وتتفاوت فيها الصور حدّة وليونة كما تتفاوت ساعات النهار والليل. توقيت الكلمات مهارة بالكامل. التكرار في الملحمة كموج البحر يأخذ عنفوانه وعظمته من تكراره. ويبدو أنّ أهمّ ما تتميز به الملحمة هو ما تثيره من مفاجآت، وترقّب. هكذا يصبح القارئ طرفاً في الحدث وليس متفرجاً. كانت العقلية التي كتبت تلك الملحمة تدوينية، ولكنْ بمرور القرون وتحول الأنهار، وخراب المدن، تحوّلت إلى عقلية شفاهية. عرفت في طفولتي قرويين أميين يتفننون بالسرد الشفاهي، يقطعون نَفَسَكَ وأنت تصغي إليهم بالجارحة قبل الأذن. يتميزون، مع الفارق، بتوابل ملحمة كلكامش من تهادٍ رزين، وتكرار ومفاجأآت، وترقب، وتوقيت.
استمعْ إلى أبناء سومر ستجد كيف انحدرت ملكة شاعرة كلكامش إليه. يمتّعك حديثه وإن لم يكن صادقاً، أو كما يقول دوستويفسكي:" أُحب صديقي هذا لأنه كان صادقاً حتى في كذبه". كذلك عرفت في طفولتي نسواناً أميّات، إذا تحدثْنَ سحرْنَ، يوم كانت النار فاكهة الشتاء. الحكاية تروى مرة بعد مرة، وفي كل ليلة بتوابل  جديدة ، تماماً كما في ملحمة كلكامش. على أية حال، كان الشعر في نشأتي الأولى، هو الصائل الجائل في الحلبة الأدبية وما من منافس له. لم أطّلع في ذلك الوقت على القصة القصيرة، ولا على الرواية. ما من أحد دلّني على أهميتهما. انصبّت قراءاتنا على المقالات التي تقوي أقلامنا في كتابة الإنشاء المدرسي، وعلى حفظ الشعر وإن كان حفظاً ببغاوياً، لنكون شعراء.  نما إلى علمنا أن حفظ الشعر هو الوصفة الوحيدة لصنع الشاعر. تلك كانت أمنيتي يا ربّ، أن أكون كالشعراء الآخرين ممتلئة أفواههم بالأجراس المقدسة وحناجرهم بهديل الفواخت. أمّا عن هيمنة السرد على ما أكتب من شعر، فربما المقصود هو المرحلة الأخيرة من القصائد.  ربما يعود هذا السرد إلى ما كنت أسمعه في طفولتي  بالناصرية  من حكايات  شفاهية، وترعرعت  في السنوات الأخيرة حينما ألحتْ عليّ قصيدة النثر التي لم يكنْ يخطر ببالي أنها ستكون لي نهجاً شعرياً.
فقد كنتُ وما أزال، مولعاً حدّ الثمل بأوزان الشعر العربي. أقرأُها بتلذذ، وأكتبها بتلذذ، وإُصغي إليها بخدر وتبنّج. قد تكون ملحمة كلكامش هي الحافز لهيمنة السرد الذي أشرتَ إليه. ما حدث، أنني قرأتُ ملحمة كلكامش باللغة الإنكليزية، لأوّل مرة. كانت تجربة مذهلة. نقطة تحوّل في حياتي الأدبية. الغريب إنها رغم إنكليزيتها، مبنى وإيقاعاً، أعادت لي أجواء عائلية حميمة ، طريقتنا بالحديث، هي نفس خاصية الملحمة في السرد. نتوقف، ثمّ لا نستمرّ إلا بعد أن نستعيد مقطعاً سابقاً. الحدث لا ينقطع، وإنما يعود بصيغة أخرى، فيأخذ أهمية جديدة لأنه وُضع في بيئة جديدة، وهكذا دواليك.. حرّضتني الترجمة الإنكليزية على قراءة النص باللغة العربية. فإذا أنا أمام عظمة شعرية مسكونة بكلّ أعجوبة. قال الشاعر النمساوي الألماني رينر ماريا ريلكه في رسالة له عام 1916:"ملحمة كلكامش مذهلة، أعتبرها من أهم الأمور التي يمكن أن يصادفها الإنسان... لقد أغرقت نفسي فيها، فخبرت في تلك الكِسَر الهائلة من
الألواح المفخورة، أنظمة وأشكالاً تنتسب إلى الأعمال المجودة التي أنتجتها الكلمة الساحرة على طول تأريخها."  كانت ملحمة  كلكامش بالنسبة لي الضالة المنشودة والسحر الذي لا يقاوم. ملكت عليّ ليلي ونهاري. وما هي  إلاّ أسابيع معدودات حتى وجدتني أكتب قصيدة النثر على نمط شاعرة ملحمة كلكامش، في السرد. إذنْ لم أتأثر في قصيدة النثر، بأي شاعر إنكليزي أو أوروبي عموماً، وإنما كنت أستعيد أسلوب الحكايات التي كنت أسمعها في طفولتي، مستعيناً هذه المرة بالفن السومري العظيم.
* في الترجمة تعاطيت مع اهم الاسماء في الانكليزية  جويس وشكسبير، رغم ما في ذلك من (جهد وعنت وتحدٍ) وهذا ما قلته انت يوماً، ما تعليقك؟
- لأعترفْ من البداية أنني لست مترجماً محترفاً، ولا شبه محترف.  كنت طارئاً على الترجمة. جئتها من الباب الخلفي إذا صحّ التعبير. اعتبرت المترجم معصوماً والترجمة بالتالي ذات عصمة، "لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها". كنت انتدبتُ لإلقاء محاضرات في الترجمة في جامعة هيريت- وات، بأدنبره. حملت معي، مطمئناً، نماذج منتقاة من الترجمات لتكون لي، مرشداً. ولكنْ ما أنْ وضعتها على المحك، حتى جحظتْ عيني عجباً. شطط. لا مبالاة. بعضها من أسوا الأسواء. كنت اعتقدت في تلك الآونة، أن الترجمة هي أقصر الطرق للحاق بالحضارة. عليه يجب أن تكون الترجمة دقيقة بالكامل. كان نصب عيني، القساوسة الأسبان الذين تعهدوا بترجمة أمهات الكتب العربية وإن كانت تتناقض  مع معتقداتهم. ولكن ما حملته من نماذج  مترجمة  للطلبة، لم تكنْ أمينة أمانة القساوسة الأسبان. أقلّ ما يقال فيها إنها كالأدوية التالفة ضررها أكثر من نفعها. قلت لنفسي لأبدأْ وإن كان حبل دلوي قصيراً. ولكن بأيّ كتاب أبدأ؟ على العموم،  قصارى ما تسعى إليه الترجمة، إذا تركنا الناحية الجمالية مؤقتاً، أوّلاً أن تتوفر في النصّ المستورد صفة الفرادة، كأن لم يكنْ في آداب اللغة المترجم إليها شيء شبيه، كترجمة كليلة  ودمنة إلى العربية، أو مقامات بديع الزمان الهمذاني إلى الاسبانية، التي تطورت إلى رواية البيكارسك أوّلاً ومنها إلى الرواية الحديثة. ثانيا يلجأ المترجم لاختيار نصّ لتعضيد حركة أدبية جديدة ناشئة، كفنون القصة القصيرة والرواية وقصيدة النثر  أو إخماد منحى أدبيّ متفشّ ضار، كالمدح والهجاء والفخر الكاذب. إلى شيكسبير إذنْ. أكبر مختبر نفساني في تأريخ الأدب، وأخصب صالة فنية للأساليب الجمالية. ترجمتُ لحد الآن ثلاثاً من مسرحياته: مكبث، وهاملت، والملك لير. نقتصر الكلام على مكبث خشية الإطالة. لماذا مكبث، وهي "تنزف دماً .. دماً مغثياً حقيقيّاً، نراه ونحسّه، في كلّ شيء"؟ كما يقول مارك دورن. حسنٌ، لأنها تنزف دماً حقيقياً، وقع الاختيار عليها كعلاج لبعض عللنا الاجتماعية المتفشية. كيف؟ قبل كلّ شيء، شيكسبير يكره الطموح، وأدبنا ضاجٌّ به. و"لا تقنع بما دون النجوم". شيكسبير يكره الغرور وشعرنا منتفخ به، شيكسبير يتقزز من الدم، والشاعر العراقي يقول"يمصّ دماً ويبغي دماً".  هكذا بلا  قرف. قلت ربما مسرحية مكبث إذا أدمنّا على قراءتها ستصيبنا بأمصالها، فنتقزز من الدم والعنف، وسنخجل من الغرور. قلت ربما ، ما دامت قد أثّرت في الأدب الروسي، وفي الأدب الفرنسي من قبل، فلماذا لا يكون لها نفس المفعول في أدبنا؟  على أية حال لأنني - محدد من قبل المحرر بعدد معين من الكلمات - لذا سأرجئ الحديث عن بقية الترجمات ولكنْ لا بدّ من التنويه عن سبب ترجمتي للعاصمة القديمة لكاواباتا. وهل هناك من سبب أكبر من فرادتها. ما من نص عربي شبيه بنص العاصمة القديمة، قلت لتكن إذنْ إضافة إلى أدبنا، وقد تكون نموذجاً للكتّاب الناشئة. قلتُ في مقدمتي للترجمة " تختلف رواية "العاصمة القديمة" عن كلّ روايات كواباتا السابقة حيث يتحوّل فيها البشر إلى نباتات وأشجار وصوامع تتخاطب  بصمت. في الواقع يمكن اعتبار الصمت في هذه الرواية، أهمّ أبطالها... العجيب إنّها رواية تخلو من أيّ طير من أيّ نوع، ومن أيّ حيوان من أيّ نوع. إنها إيقاع نباتي كامل... نباتات تستجيب للفصول ومعاناتها في داخلها.. ولأنها رواية نباتية فإنها بطيئة النمو، بطيئة التشكّل، وكأن كاواباتا معنيّ بالبذرة وليس بالحصاد"
* قلت مرة ان الترجمة مرت بمرحلتين الاولى فهم المعنى وصياغته بلغة عربية خالصة والثاني في فهم تقنية النص الى اي منهم ينتمني نيازي.
- باختصار، يبدو أنّ المترجم الأقدم لجيلنا كان يسأل نفسه ما الذي قاله المؤلف؟ أيْ، ما هو المعنى؟ في حين يسأل المترجم الحديث، كيف قال المؤلّف المعنى؟ أيْ ما هي تقنيته. لا ريب عنايتي بالتقنية قبل كل شيء.
كنت وقتها افكر بترجمات المنفلوطي. لم يكنْ يعرف هذا الرجل، أية لغة أجنبية، ولا سيّما اللغة الفرنسية التي  نقل عنها. طريقته في الترجمة هي أن يقوم أحدهم بتعريب النص الفرنسي شفاهاً ويردده على مسمع المنفلوطي، عندئذ يقوم المنفلوطي بصياغته وسبكه بلغة عربية خالصة، غُفلاً عن أية تقنية في النصّ الأصلي. ولكنْ لماذا احتلّتْ  السوق الأدبية ولو إلى حين؟
المثال الآخر، من دزينة من الأمثلة، هو أحمد رامي الذي لم يكن يعرفْ الفارسية، حينما ترجم رباعيات الخيّام، وإنما ترجمها عن الإنكليزية. فيتزجيرالد الذي ترجم الرباعيات إلى الانكليزية لم يكنْ هو الآخر،  يتقن الفارسية وإنما كان يُلقنها تلقيناً.
ولكنْ لماذا فاقت ترجمة رامي ترجمات أكثر أصالة ودقّة كترجمة الصافي النجفي، وإبراهيم العريّض؟
من المصادفات أن تقع في يدي مؤخراً، النسخة العربية من كتاب الأبطال لتوماس كارلايل، ترجمة محمد السباعي (كتاب الهلال 1978). ففي المحاضرة الأولى من الكتاب المعنونة :" البطل في صورة إله"، يصل النص إلى ما للشماليين القدامى من شجاعة، وقال:" وقد روى المؤرخ "سونورو" أنهم كانوا يرون الموت في غير مواطن الحرب عاراً وسُبّة"، ثمّ يحشر المولف بعد ذلك أبياتا شعرية عربية خالصة غير موجودة في النص:
تسيل على حدّ الظباة نفوسنا
وليس على حدّ الظباة تسيل
وما مات منا سيد حتف أنفه
ولا طلّ منّا حيث كان قتيل
ليس هذا المثل الشعري، هو الوحيد في الكتاب، وإنما  ثمّة أمثلة عديدة، منها مثل شعري من ابن زريق البغدادي، ولكنْ كيف حشره المترجم مع دانتي وشيكسبير؟ علم ذلك عند المنجمين.
- هل على المترجم ان يفهم طبيعة النص المترجم  مسرح، قصة، شعر، قبل ان يبدأ بالترجمة.
المتعارف عليه، أن تكون الترجمة أمينة للنص الذي تترجمه، ولكنْ إلاّ قليلاً. إزرا باوند لم يلزم نفسه كلية بهذا المبدأ. كان يكيّف النص فيحذف ويضيف ويقدم ويؤخر، لأسباب وجيهة. من ناحية أخرى يطلع علينا بورخس برأي طريف، فهو يطالب أن يكون النصّ المترجم أميناً للترجمة. لا أدري كيف يُفهم هذا القول، ولكنّه مع ذلك لا يخلو من فطنة.
لنقلْ من البداية: المترجم ناقد أوّلاً، والمترجم مؤلف ثانياً، وإلا كيف يتأهل للترجمة!
العلاقة بين النصّ والمترجم في بدايتها علاقة انبهارية، تتملك دورته الدموية، وقصباته الهوائية. انسحار لا فكاك منه. وحينما يكتمل للمترجم تمثّل النصّ، وحينما يتشربه، يصبح الاثنان قطعة واحدة. عندئذ تكون الترجمة تاليفاً يجمع بين جينات كاتب النصّ ومترجمه.
تمثّل النصّ، لا ريب، لا يكتمل إلاّ بالإحاطة به، وتحليله، من الكلمة الأولى، إلى الكلمة الختامية، لا بدّ من التعامل معه كتأليف موسيقي كامل لايتجزأ.
غير أنّ معظم مترجمي شيكسبير جزّأوه وهذه هي الطامّة.
التأليف الشيكسبيري ، على العموم، له أخلاق الدائرة، يبدأ بنقطة  وفي الختام يعود إليها. كان مثلاً ، كلّ من بدوي وجبرا والقطّ  يترجمون شيكسبير، لا على أساس انه نسيج متواشج اللُحمة والسدى، وإنما كخيوط منسلّة، فأضاعوا البنية العضوية للنصّ، وفرّطوا بالتقنيات المذهلة التي ترفع شيكسبير إلى مصافات عالية. بعبارة أخرى كانوا يترجمون النصّ جملة جملة، دون النظر إلى ما للكلمات
من علاقات بما  قبلها وما بعدها ، معنى ومبنى وإيقاعاً.
من نافلة القول إنّ الكلمات التي ترمز إلى تصورات في مؤلفات شيكسبير تحمل دوريْن في آن واحد، فهي صوت وصدى.
من العجب أن الأصداء في التراجيديات الشيكسبيرية أهم من أصواتها.

 

اضافة تعليق

 

الرئيسية   الاخبار   البرامج    البث المباشر   الاتصال بنا  

  جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة

 

Powered By : Mamon CMS (TV edition)